رغم أن التعليم المفتوح أنتشر منذ زمن بعيد نسبياً في معظم الدول المتطورة، إلا أنه لازال في بداياته في الدول النامية، علماً أنه قطع شوطاً كبيراً في بعضها وخصوصاً في الدول العربية كمصر والأردن وسوريا وهنالك دول أخرى بدأت هذا الأسلوب من التعليم لما وجدت فيه من إيجابيات.
ومما يؤسف له أن البعض يفهم التعليم المفتوح هو حل لمشكلة كثرة الطلبة الراغبين في الدراسة وعدم أمكانية قبولهم في الجامعات العادية، وأن كان ذلك صحيح من هذا الجانب إلا أنه أي مفهوم التعليم المفتوح هو أوسع من ذلك بكثير، فهو واقع فرضه ويفرضه التطور الذي حصل ويحصل كل يوم في الحياة وخصوصاً في وسائل الأتصال، وهكذا هي الحياة تفرض علينا كل يوم أنماطاً جديدة ووسائل جديدة تساعدنا وتعيننا وتسهل مسيرة حياتنا، وهذا ما نرجوه من العلم والتطور العلمي.
أن التعليم المفتوح أو التعليم عن بعد أو التعليم الإلكتروني هي أسماء وأشكال متعددة لمنهج جديد في التعليم يحاول قدر الأمكان الأقتصاد في الزمن وكسبه لجانب الإنسان ليصبح لديه متسع من الوقت لإكمال حاجاته ونشاطاته الأخرى، وهو كذلك أقتصاد في الطاقة والأموال التي تذهب هدراً في المواصلات و بناء قاعات الدراسة ولوازمها وما يحتاجه التعليم الكلاسيكي من أمور وتكاليف أصبحت باهضة جداً في عصرنا الراهن. وبما أن التعليم والغاية منه هو وجود رسالة أو مادة علمية أكاديمية أو مواد نحتاج من الأساتذة إيصالها إلى المتلقين من طلبة وغيرهم من الداويمكن معرفةحاجة إلى الوسيلة لإيصال هذه الرسالة العلمية، فأن توفرت تلك الوسيلة بسبل أسهل وأقل كلفة وبزمن أقصر وبجهد أقل وبنفس الكفاءة، فما الضرر بذلك؟؟؟ علماً بأنه بأمكاننا أن نقيس كفاءة الطالب أو المتلقي ومدى أستفادته من الدراسة، كما أن وسائل الأختبار تنوعت وتعددت والتدريب أصبح متاحاً ويمكن معرفة مدى قدرة هذا الشخص ومدى أهليته لنيل هذهِ الشهادة ومدى أستحقاقه لها.
وعلينا إدراك أن التعليم المفتوح هو ليس بالضد أو يتعارض مع التعليم الكلاسيكي ولا يمكنه أن يلغيه، بل أن التعليم المفتوح لا يشمل المواد العملية ولا يشمل الدراسات العلمية التي تتطلب اللقاء العادي الكلاسيكي أو المختبر، بل هو يسهل الدراسة للفروع التي يمكن أن تنجز المقررات المطلوبة بدون مقاعد الدراسة رغم أن العديد من المواد يمكن إرسالها للطلبة عبر شبكة الإنترنيت على شكل صور وأفلام ووسائل إيضاح كما تتوفر محاضرات صوتية وأعمال أخرى يمكن إنجازها عبر الإنترنيت. هذا كله لا يعني التعارض بل التكامل وممكن اللجوء حتى إلى أشكال مختلطة بين التعليم المفتوح والكلاسيكي والإلكتروني كلما أمكن ذلك وسهل عملية الأتصال وأنتقال المعلومات والمواد العلمية المقررة وهكذا يمكن أن يسيرا جنباً إلى جنب وخصوصاً تتوفر إمكانيات كبيرة ليدعم التعليم المفتوح التعليم العادي بالخبرة والدراسات والمواد الأخرى وبسرعة، كما أن التعليم العادي بدأ شيئاً فشيئاً يدخل شبكة الإنترنيت في عمله من خلال إرسال المحاضرات والجداول والمراسلات...الخ.
فهما سيكملان بعضهما البعض ويوفر التعليم المفتوح اليوم تكاليف ضخمة لذا نجد الدول المتطورة تحاول جاهدةً تطويره والتوسع به وأخذت تتقلص شيئاً فشيئاً قاعات الدراسة الكلاسيكية، لتحل محلها الغرف الدراسية عبر شبكة الإنترنيت، ولم يبق مكان لم يدخله التعليم الإلكتروني أو أساليبه الأخرى، وهي أساليب عصرية، تختزل الزمن والتكاليف والجهد، فما بالك في البلدان النامية التي هي بأمس الحاجة إلى تقليص التكاليف والأستفادة من عامل الزمن للحاق بركب الحضارة، فالدول النامية أكثر حاجة إلى أستثمار هذا الأسلوب والأستفادة منه والإسراع بتوفير التكاليف لإدخال التكنلوجيا الحديثة في وسائل الأتصال وتحديث التعليم وتوفير وسائل الأتصال عبر شبكة الإنترنيت للطلبة برسوم رمزية كي يستطيع الجميع الأستفادة منها وتطوير قدراتهم وإمكانياتهم مما يوفر على الدولة أموالاً طائلة ويختزل الزمن ويطور قدرات الجماهير العلمية والثقافية لتساهم بفعالية في مشاريع التنمية التي تحتاج إلى جهود الجميع.
أن أنشداد البعض إلى الماضي هو شئٌ طبيعي ولكننا يجب أن ندرك لغة العصر وإلا سيفوتنا القطار المتسارع، وفي نفس الوقت علينا أن لا نأخذ الأمور بهذهِ البساطة فنحن بحاجة إلى مراجعة الدراسات الأكاديمية بهذا الشأن ونحاول إعداد دراسات جديدة وعلى أسس علمية منهجية تأخذ واقع وإمكانيات هذه البلدان وكيفية الأستفادة من النهج التعليمي الجديد، علماً أن هنالك ومن خلال الدراسات الرزينة بعض السلبيات في هذا النهج، ومنها البعد الإنساني في عملية التعليم والتي تُحَجم هنا، مما يتطلب التدقيق ومحاولة تطوير النهج الجديد بما لا يضعف البعد والعلاقة الإنسانية في عملية التعليم وهي خاصية تربوية مهمة بل أجدها أساسية، كما نحن بحاجة إلى وضع ضوابط وشرعنة قوانين عامة تدعم وتمكن هذا النوع من التعليم من الأستمرار والتطور وتشرف عليه مؤسسات أكاديمية مستوعبة للتطورات على مستوى العالم، وبالضرورة ليس كلما يحتاجه التعليم الكلاسيكي يجب أن يتوفر بالتعليم المفتوح، بل لابد من أنظمة وأساليب جديدة تحاول التكيف مع التطورات التي يشهدها العالم.
أن جامعة الدول العربية يبدو أنها أدركت مؤخراً هذهِ الضرورة، لذا بدأت تهتم وتشجع ذلك وهي خطوة جديرة بالتقدير، وكلنا أمل أن تحذو البلدان النامية الأخرى، وبالذات البلدان العربية التي لم تحسم أمرها حتى الآن، وتحاول الأستفادة من التجارب الأخرى، وخصوصاً تلك الدول التي تعاني من مشاكل اقتصادية وغير اقتصادية.
محمد الكحط - هولاندا
0 التعليقات:
إرسال تعليق