إن الحديث عن المنظومة التعليمية بالمغرب ورهانات إصلاحها يستدعي مساءلة واقعها الخاص بجميع الأسلاك، سيما السلك الابتدائي الذي يعتبر قاعدة الهرم التعليمي وبذرته التي تفرض على الفاعلين بذل الجهود لرفع التحديات، في زمن يشهد خطوات حثيثة تتوخى رفع وتيرة الإصلاح عبر فتح أوراش كبرى.
ولتبديد بعض الأسئلة المقلقة التي تهم واقع التربية البدنية بالسلك الابتدائي، حاورت الصباح مفتش التعليم الابتدائي بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة تادلا أزيلال عز الدين أجدر الذي أكد أهمية مادة التربية البدنية في السلك الابتدائي داعيا إلى عدم الخلط بينها وبين الرياضة المدرسية.
واعتبر عز الدين أجدر التربية البدنية في السلك الابتدائي مناسبة للتأسيس والتمهيد والاستعداد لممارسة الرياضة المدرسية في السلكين الإعدادي والثانوي، وتأهيل المتعلمين لمزاولتها لاستئناس المتعلمين بمبادئ أولية للرياضة بالابتدائي. كما أنها مجال لتكسير رتابة الدروس وتنمية روح التعاون و التنافس الشريف وتبني واستساغة معايير محددة، إضافة إلى كونها مدخلا متميزا للحياة المدرسية ومجالا لإثبات الذات وتحقيق البعد الإدماجي للتعلمات بامتياز.
وتحدث عن العلاقة بين مادة التربية البدنية وباقي المواد كالرياضيات مثلا، إذ قال في هذا السياق إن تشكيل دوائر و مثلثات ومربعات تعتبر أرضية لأوضاع معينة في إطار التعامل مع المحسوس. كما أن حصة التربية البدنية تظل مجالا للتعامل مع أرقام وأعداد نطقا وتجسيدا وعدا، إضافة إلى ما تمنحه هذه الحصة من فرص لتجسيد التوالي والتتابع في الزمان والتموقع في المكان ( أمام، وراء ... )، وهما من مفاهيم برنامج الرياضيات الذي يسهم بشكل فعال في تفتيح ذهنية التلميذ وإخراجها من حالة الضيق التي تعيشها.
كما تحدث عن العلاقة بين التربية البدنية واللغة العربية، إذ تشكل حصة اللغة فضاء للتواصل أثناء القيام بتمارين ومهمات ما يرسخ عددا من المفردات التي تشكل معجم التلميذ وتحدد مساره التعليمي.
كما أشار عز الدين إلى العلاقة التي تجمع بين مادة التربية البدنية والتعبير (لعب أدوار ، محاكاة ، تقليد ...)، وكذا مادة الكتابة (تشكيل حروف انطلاقا من أوضاع مختلفة للجسم)، والنشيد الذي يعطي للمتعلم إمكانية الانطلاق نحو آفاق رحبة عبر أدائه مقاطع إنشادية في فضاءات رحبة تتميز بالانطلاق والتحرر من ضيق المكان الذي يحاصره طيلة السنة.
كما أشار إلى العلاقة بين التربية البدنية والنشاط العلمي ( الدورة الدموية ) والجغرافيا (رسم خريطة المغرب انطلاقا من تموقع المتعلمين في نقط محددة داخل رقعة الملعب).
وكل هذه الأمور، يضيف عز الدين أجدر، لا تتطلب تأهيل المؤسسة كما يعتقد كثير من المدرسين، وكأن الأمر يهم تلاميذ السلك الإعدادي أو الثانوي، في حين أن إنجاز هذه الحصص لا يتطلب سوى تفهما و تجاوزا لما ترسب من أفكار ماضوية يغذيها التملص من أداء واجب و تبرير هذا التملص بمبررات غير مقنعة .
ولم يفت مفتش مادة التربية البدنية عز الدين أجدر الحديث عن إكراهات قال إنها
«تبدو موضوعية على سبيل السخرية، كما هو الشأن بالنسبة لإكراهات استعمالات الزمن المفتعلة، حيث التنقلات اليومية والارتباط بزملاء يختلفون في هذه الاستعمالات، وفي زمن إنجاز حصص هذه المادة، لكن الواقع لا يفسر سوى وجود رغبة إرادية وخجولة أحيانا في المس بحق المتعلم المغربي في هذه الممارسة، وبالتالي هدر ساعتين من الزمن أسبوعيا، أي ما يعادل زهاء 68 ساعة لكل قسم سنويا، أو ما يفوق سنوات عدة إذا احتسب مجموع الأقسام بالجهة ما يعطي للسؤال مصداقيته للتدخل صلاحيته، أما إذا احتسبت ست سنوات، فلم يعد لزماننا معنى».
وأكد عز الدين أجدر أن طبيعة الضغوطات لا تخفى على أحد ما جعل المسؤولين يساهمون بتساهلهم في اتخاذ القرارات التأديبية ذات الصلة بالعزوف عن تطبيق هذه الحصص، وبالتالي نتج عن هذا النوع من التساهل عدم اكتراث المفتشين والمديرين الأساتذة الجديين بتطبيق حصص مادة التربية البدنية التي أقل ما يقال عنها إنها مؤشر وجدان ووجود وكينونة وحياة واعتبار لأنسنة المتعلم.
أما على مستوى الرياضة المدرسية، يقول أجدر، فإن هذا الصنف غالبا ما يدخل في إطار الأنشطة الموازية، ولا يمت بصلة إلى حصص استعمالات الزمن المقررة ، إذ يلاحظ أنه محبوب ومفضل لدى فئة عريضة من الأساتذة الذين يتخذونه مطية لتبرير رفضهم لأداء مهمتهم حتى يعفوا من أدائها لغياب الفضاءات والإمكانات والوسائل لتفعيلها في بعض المؤسسات ليس إلا.
وقال في هذا السياق، إنه جرم جنحي في حق متعلمي التعليم الابتدائي، إذ لا يعقل أن ينتهك حق في السر والعلن يقابله صمت غير قابل للتفسير، فهل بمقدور مرتدي الجلباب والخف والصابو أن يحرص على ممارسة التربية البدنية ؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق