ليس من مغالاة القول أن الكفاءات البشرية قد غدت في عصرنا القوة الجماعية الحقيقية المعوّل عليها فيما تحققه الشعوب من نقلات نوعية متواصلة في سائر ميادين الحياة، ولا ما يدعو إلى تأكيد أن الوظائف الذهنية المختلفة كالإبداع والتكيف والتكييف قد فاقت قيمة كافة ما كان يبدو في زمن ليس بعيدا بمثابة ركائز الأمم وذخائرها التي لا تنضب. أمّا وقد صار اليوم باب المعارف مفتوحا للجميع وعلى مصراعيه، أيا كان موطن الطلب وزمانه، فإن التعليم لم يعد على وجه الخصوص مجرد عملية تلقين أحادية القطب، تقوم على براعة المدرس وحده، الذي دائما ما يتولى الدور الرئيس في منح المعارف بطرائق لم تكترث لحال أكثر من حشو الأدمغة بمصنفات من المعارف النظرية ليس إلا، بل صار هندسة تعنى ببناء هذه المعارف بناء متماسكا، وبتطوير ما يستلزم هذا البناء من مهارات ذهنية ثقافية، واجتماعية وجدانية، وسلوكية حضارية. أي أن التعليم صار يعنى بتمكين المتعلمين من الكفاءات، التي يمكنهم توظيفها في سائر المجالات، يواجهون بها مختلف المواقف ووضعيات الحياة. من هذا المنظور يتبين أن صار للتعليم في عصرنا معنى أعلى وهدف أشرف وأسمى، لكنه في مقابل ذلك غدا مهمة أكثر تركيبا وتعقيدا. ذلك لأن النوعية في عالم التعليم، إما أن تكون كاملة وإما ألا تكون، وفي الوقت المناسب أيضا، فلا الإنقاص منها ولا حصولها في غير وقتها يثبت وجودها أو يؤكد صلاحها. ذلك لأن النوعية - فضلا عن أن الفعل هو ما يكرّسها وعن كونها تقتضي إشراك جميع صنّاعها، إنها صفة دائمة التطور، لا تعرف لحالها استقرارا. ثم إن إدارتها لا تقتصر على إدارة نوعية وضعيات التعلم أو إدارة الفعل التربوي البيداغوجي فقط، بل تشمل النظام التعليمي كله بجميع مراحله، اعتبارا أن النوعية نتاج كافة هذه المراحل مجتمعة، ومنها: نوعية الأهداف والبرامج، نوعية الطرائق والسندات، نوعية التكوين و التسيير، نوعية التعلم والتقييم..إلخ. وكلّ من هذه المراحل بمثابة حلقة في سلسلة التعلم، بحيث إذا أصيبت أي منها بضعف، كان له سالب الأثر السريع على نوعية النظام كله. في هذا السياق، وأمام تحدي العصر للمنظومات التربوية العالمية، بوضعه إياها أمام أحد الخيارين: " إما التجدد وإما التبدد " تبرز أهمية الإصلاحات التربوية السارية في منظومتنا التربوية، كاستراتيجية قائمة على المقاربة بالكفاءات، باعتبارها منهجية جديدة وأداة مجدية لرفع هذا التحدي. والمعلوم أن هذه البيداغوجيا قد أعادت خلط الأوراق من جديد بحيث تكون الورقة المربحة دائما بيد المتعلم لا المدرس، وهي لذلك، وبرغم تعدد أشكالها وتنوع مساعيها، تقوم على أساس هدف واحد، هو التمحور حول المتعلم و الإحاطة به ومساعدته على التعلم. غير أن الاهتمام به وجعله في لب العملية التعليمة / التعلميّة، وحرصها على إكسابه الكفاءات التي تمكنه من إدماج معارفه النظرية وتحويلها إلى معارف أدائية وسلوكية، لا يعني بأية حال أن بيداغوجيا الإدماج لم تمنح المدرس ما يستحق من عناية واهتمام، أو أنها تكون قد حالت تماما دون الدور المنوط به في العملية التربوية، بل تمام العكس، لأن هذه البيداغوجيا تتخذ من المقاربة بالكفاءات على سبيل المثال، سبيلا لتحقيقها، وتشترط أن يكون المدرس طرفا فيها، وصاحب استراتيجية دقيقة لتنفيذها. وهنا يحسسن التذكير أن من يسميه جاك/ تارديف " المدرس الاستراتيجي " يبدو - في وصفه- بصورة: مفكر / صاحب قرار / محفز على التعلم / نموذج / وسيط / مدرب. وهي الأوصاف التي يمكن تحليلها كالآتي:
1 . المدرس مفكــر: لا يأخذ بالاعتبار مكتسبات المتعلم المعرفية، وكيفيه إدراكه الأشياء، وحاجياته وحسب، بل وكذلك أهداف البرنامج الدراسي، ومنهاج التدريس، وشروط المهام المقترحة، والتوظيف الفعلي لاستراتيجيات التعلم الهادفة والملائمة.
2 . المدرس صاحب قرار: لا يقتصر عمله على تطبيق التعليمات والالتزام بالتوجيهات والتوصيات المتعلقة بتنفيذ العمليات التعلمية، بل يتعداها - متى وجب الأمر - إلى اتخاذ القرار المناسب فيما يخص مضمون التعلم، وكيفية تقديمه، كما يخمن الأخطاء التي يمكن وقوع التلميذ فيها، و يعد الأمثلة منوعة، ويأتي بأخرى مضادة لها لإحداث أزمات التعلم، و يحاصره بها من كل جانب، اقتناعا منه أن الخطأ جزء من عملية البناء المعرفي وسبيل لإحراز الكفاءات، هدفه في ذلك الوصول بالمتعلم إلى تحقيق استقلالية التفكير والفعل في أوجز آن.
3 . المدرس محفز على التعلم: يستطيع إقناع المتعلم بالنشاطات المقترحة عليه، مبينا جدارتها وجدواها في إحداث التعلم فضلا عن أهميتها الاجتماعية والمهنية، وعلاقتها بواقع الحياة، واقع المهارات والكفاءات، ومختبر الإدماج الحقيقي.
4. المدرس نمــوذج: ومراد ذلك أن المدرس قدوة متعلمه، يأخذ منه وينقل عنه، ابتداء من الحضانة إلى غاية الجامعة ربما، مرورا بالإكمالية والثانوية. و من الطبيعي جدا أن يكون المدرس النموذج الكفء الذي يحسن بالمتعلم أن يستلهم منه، أو يقلده لتطوير كفاءته، على الأقل في مراحله الأولى.
5. المدرس وسيــط: يحاور التلميذ ويناقشه في صعوبات المهام المقدم عليها، وفي خطوات نجاحه فيها، والعوامل التي تسهم في تحقيق فوزه أو تحول دونه، و يذكره بالمعارف والخبرات المكتسبة سلفا، عله يجد لها وظيفة في مهمة معينة، كما يساعده على التفكير في الصعوبات و وضع الخطط الملائمة لحلها وتجاوزها.
6. المدرس مدرب: يرى أن مهمة كل تلميذ لديه هي التدرب على الحياة، وأن تدربه يستلزم وضعه في وضعيات تلزمه القيام بمهام معقدة وهادفة على أن تكون في حوزة الإمكان و أقربها إلى الواقع المعيش.
من هنا، يمكن القول: إن الدور المنوط بالمعلم في البيداغوجيات الحديثة لا يقل عنه أهمية - من حيث المبدأ- في بيداغوجيات التعليم التقليدية، أما من حيث الشكل فهو مختلف تماما، لأن المعلم الذي كان يحظى بدور " البطولة " في سيناريوهات التعليم قديما، مطالب اليوم في ضوء مقاربات الإدماج بالتنازل عنه لصالح المتعلم، ليتبوأ هو مكانة المخرج في سيناريوهات التعلّم حديثا. للتأكّد من هذا الاستنتاج ارتأينا إفادة المتلقي بالتحليل الموالي لما يسمى في حقل التعليم الاستراتيجي "سيناريو بيداغوجي" نقدمه في مراحله الثلاث الرئيسة بغية التعرف عن دور المدرس في كل منها.أولا: حين التخطيط:
1. يحدد المدرس هدف التعلم، ويحلله ( معارف تصريحية(نظرية)، إجرائية، اشتراطية) ثم يختار نشاطا وفق الهدف أو الأهداف المسطرة؛
2. يتساءل عما إذا كان الهدف والنشاط المختار له يتضمنان تحديا معقولا، وفيم ينفع هذا التحدي المتعلم؛
3. يحدد المعارف التي يستلزمها الهدف المراد تحقيقه، ويستشف معارف المتعلم المحرزة سلفا؛
4. يتصور الصعوبات الممكن حصولها، ويفكر في طبيعة المساعدة التي يمكن دعم المتعلم بها،
5. يحدد تدخلاته التقويمية (تقويم تكويني). ثانيا: حين تدخله في القسم:
1.2 في مرحلة التحضير:
1. يعرض ظروف التعلم:/الهدف/الأهية/سير العمل التعلمي/المساعدة/الوسائل/المدة/شروط التقويم؛
2. يثير المعارف المكتسبة سلفا بأنواعها ( تصريحية، إجرائية، اشتراطية)؛
3. يصنفها، وينظمها على شكل شبكة دلالية، (شكل تنظيمي)؛
4. يبحث عن علائق مع التعلمات المنجزة؛
5. يأخذ بالاعتبار المعارف المجهولة لدى المتعلم قصد استحداث أزمة معرفية تعلمية؛
6. يلاحظ ردود فعل المتعلمين.
2.2 في مرحلة الإنجاز:
1. يلقن المعرفة (معارف تصريحية) ويعلم أداء (معارف إجرائية وأخرى شرطية) وذلك في علاقتها بأهداف التعلم المسطرة.
2. يعلم بانتظام ووضوح استراتيجيات معرفية وما بعد معرفية(أدائية،سلوكية)، وذلك من خلال: - عملية التشكيل؛ - الممارسة الموجهة؛ - الممارسة الذاتية المستقلة.
3. يصل بالمتعلمين إلى إعادة تنظيم معارفهم وتغيير شبكتهم الدلالية تدريجيا؛
4. يأخذ بالحسبان تثمين الجهود، وتشجيع الإرادة والمثابرة؛
5. يضع المتعلم موضع التقدم الذي يحرزه، المسجل في " بطاقة السير والمتابعة " الخاصة بكل متعلم؛ 6. يبين جدوى الاستراتيجية.
3.2 في مرحلة الإدماج: يصل بالمتعلمين إلى ملاحظة تطبيقاتهم بداية من خطة الانطلاق:
1. ماذا تعلـــــم؛
2. كيف تعلــــم ؛
3. طريقة التعلـــم ؛
4. صعوبات التعلــم؛
5. استراتيجية التعلـم ؛
6. ما يجب تحسينــه .ولمزيد من التأكيد والتحديد،فمن الأهمية بمكان التذكير بأن المدرس– في المقاربة بالمشكلات مثلا- يقوم بجملة من المهام الضرورية للنشاط المختار، تسهيلا لسيرورة التعلم وحفاظا على استفادة المتعلمين، كالحرص على الأهداف المراد تحقيقها والسياق الذي يندرج فيه النشاط ، و مهام أخرى نوردها كالآتي: أولا، قبل الشروع في المقاربة: يشرح لمتعلميه في أول حصة من النشاط ماهية التعلم بالمشكلات، ونجاعة الطريقة في دمج المكتسبات والفائدة الناجمة عنها، كما يعرفهم بمراحل المقاربة، والدور الذي يقومون به، وكذا الدور المخصص له. ثانيا، خلال تقديم الوضعية: يمكنه إثارة رغبة المتعلمين وتحفيزهم بتوضيح مدى أهمية هذه الطريقة التعلمية ونجاعتها.ثالثا، خلال إجراء النشاط:في المرحلة الأولى، ( مرحلة الاستكشاف) - عند الضرورة، ووفق الهدف المقصود من النشاط، يتأكد المدرس من مدى اتفاق المتعلمين في فهمهم للمفردات والمفاهيم المتضمنة في الوضعية المشكل، ويشجعهم على توضيحها.في المرحة الثانية، ( مرحلة تحديد المشكلة) - يساعد المتعلمين-إن لزم ذلك- على التعرف على مشكلة أواتنتين في الوضعية المقترحة، (مشكلة أساسية، مشكلة ثانوية) عبر مساءلة وجيهة وملاحظات هادفة ؛ - يشجع المتعلمين على تدارس المشكلة في كليتها بتصورها من مختلف الأوجه؛ - يصل بالمتعلمين إلى عرض تصوراتهم، وطروحهم، ويساعدهم على الربط بينها (بمساءلتهم وتوجيههم إلى استعمال مختلف الوسائط: رسومات، أشكال، أمثلة..).في المرحلة الثالثة، ( مرحلة تخطيط البحث) - يشجع المتعلم على صياغة الأسئلة في علاقاتها مع معطيات الطرح، أو ما يعتبر فهمه ضروريا لاستيعاب المشكلة.في المرحلة الرابعة ( مرحلة البحث عن المعلومات) - يعين المتعلم على إيجاد أو تجريب آليات البحث (أسئلة، جداول، وسائل..)؛ - يقترح عند الحاجة موارد معرفية؛ - يتاكد من أن جمع المعلومات، يتم وفق أسئلة المتعلمين.في المرحلة الخامسة، (مرحلة تحليل النتائج) يشجع المتعلمين على تحليل المعطيات وذلك من خلال:
1- مساءلتهم عن المراجع المعتمدة في البحث؛
2- التشكيك في المعلومات المحصلة ؛
3-الوصول بهم إلى التأكد من جدوى المعلومات المتحصل عليها في مقابل الأسئلة المحددة للبحث؛
4- الوصول بهم إلى ممارسة النقد الذاتي،
5- التدخل على مستوى القسم – إن كان بحاجة إلى ذلك- لضبط العمل حين ظهور صعوبة متكررة أو تكرار الطلب. في المرحلة السادسة ( مرحلة التقويم) يشجع المتعلم على تحليل وتتمين المعطيات الأولية، أو الحلول الممكنة، على الخصوص بـ:
- إعادة النظر في الأسباب، النتائج، المزايا، والعوائق من مختلف الجهات؛ - مناقشة المتعلمين في مقاييس الاحتفاظ أو التخلي عن أحد المعطيات أو الحلول؛ - تشجيع كافة السبل التي تؤدي بالمتعلمين إلى النقد؛ - إثارة رد المتعلمين، الإشارة إلى أمر ذي أهمية، وضع النقاط على الحروف؛ - الاحتفاظ برأيه وحلوله لفسح المجال لإجابات النجباء.
بطاقة لتدبير أنشطة الإدماج
تتضمن البطاقة التالية اقتراحا عمليا لتدبير نشاط تعلمي للإدماج :
المراحل نشاط الأستاذ نشاط التلميذ المدة الزمنية
تقديم الوضعية - يدعو التلاميذ للملاحظة
- يطرح أسئلة
- يشجع التلاميذ على التعبير
- يتأكد من فهم التلاميذ عناصر الوضعية (السياق، المهمة، التعليمات، طبيعة المعطيات، ...) - يلاحط ويحلل الوضعية
- يجيب عن الأسئلة
- يتكلم بحرية
- يستمع ويتمعن في الشروحات إنجاز المهمة - يترك التلاميذ ينجزون المهمة
- يراقب إنتاجهم
- يساعد المتعثرين
- يكمل بعض الإنتاجان
- يدون الصعوبات لإعداد الدعم - ينتجون على انفراد أو في مجموعات
- يقدمون إنتاجاتهم
- يشاركون في التصحيح
- ينصتون للتصحيحات والإضافات التكميلية العلاج - يخطط الأنشطة الداعمة
- يوجه التلاميذ لإنجازها - ينجزون الأنشطة الداعمة
ملحوظة : يعتبر الإدماج نشاطا تعلميا، يتم التخطيط له ضمن الأنشطة التعلمية العادية. وتندرج أنشطة الإدماج ضمن الغلاف الزمني المخصص لإنجاز الدروس وكذلك الغلاف المرصود للدعم والتثبيت.
ويمكن تنظيم مختلف أنشطة التعلم التي ينجزها التلميذ وفق مسارات، منها :
- المسار الأول : تخطيط الإدماج عند نهاية التعلمات :
أنشطة الاستكشاف تعلم جزئي : هدف 1 هدف 2 هدف 3 هدف 4 ... ... إدماج نهائي أنشطة التقويم
- المسار الثاني : إنجاز أنشطة الإدماج بالتدريج :
أنشطة الاستكشاف هدف 1 هدف 2 هدف 3 هدف 4 إدماج مرحلي هدف 5 هدف 6 هدف 7 هدف 8 إدماج مرحلي ... إدماج نهائي أنشطة التقويم
o أنشطة الاستكشاف : وتتمثل في الاطلاع على ما سيتم اكتسابه، وتقدير الفرق بينه وبين المكتسبات القبلية، ومجالات استثمار ما سيكتسب، والوسائل والطرائق التي ستعتمد في التعلم، الخ.
o التعلمات الجزئية : وهي الأنشطة التعلمية العادية، التي من خلالها يكتسب التلميذ معارف وينمي مهارات ستصبح موارد قابلة للتعبئة في حل الوضعيات-المشكلة. ويتخلل هذه الأنشطة تقويم تكويني يوظف للدعم والتثبيت والاستدراك.
o أنشطة الإدماج : ويتدرب خلالها التلميذ على تعبئة موارده بطريقة مندمجة وتفاعلية لحل وضعيات-مشكلة مرتبطة بالكفاية (إدماج نهائي) أو بإحدى مراحلها (إدماج مرحلي).
o تقويم التعلمات : ويتعلق الأمر بتقويم مدى تمكن التلاميذ من الكفاية (أو مراحلها)، وهو ما سيتم التطرق إليه في الفقرة الموالية.
كيفية إنجاز أنشطة الإدماج
بعد سلسلة من التعلمات العادية، تخصص فترة (أسبوع مثلا) لتدريب التلاميذ على الإدماج. ويمكن تخطيط أنشطة الإدماج عند نهاية التعلمات المتعلقة بالكفاية، كما يمكن التطرق للإدماج بالتدريج خلال تقدم الأنشطة التعلمية وفق مراحل الكفاية.وخلال عملية الإدماج، تقدم للتلاميذ وضعية-مسألة من فئة الوضعيات المسائل المرتبطة بالكفاية. ويتم حل هذه الوضعية من لدن كل تلميذ، مع إمكانية اعتماد العمل في مجموعات عند بداية هذه الأنشطة. وإذا لم يتمكن بعض التلاميذ من حل الوضعية-المشكلة، يعمل الأستاذ على رصد الصعوبات الأساسية التي حالت دون ذلك، ويقترح أنشطة تكميلية للرفع من مستوى أدائهم. ولتحقيق ذلك، لابد من إيلاء جودة التعلمات عناية خاصة، والتأكد من التمكن التدريجي لكل التلاميذ منها، ولو اقتضى الأمر تقليصها كميا إلى أقصى حد. فتنمية كفاية لا ترتبط بكمية المعلومات أو المعارف المحصلة بقدر ما ترتبط بجودة هذه المعارف وبالقدرة على استثمارها في الحياة اليومية.
لماذا بيداغوجيا الإدماج ؟
من الإشكاليات التي واجهت النظام التربوي في بلادنا- كغيره من الأنظمة التربوية في العالم- مشكلة تجزئة المعارف التي ميّزت المناهج السابقة؛ إذ تضمّ في ثناياها قائمة من المفاهيم يجب على المتعلم تعلّمها، وبعض المهارات عليه اكتسابها في كل مادة من المواد الدراسية. والنتيجة هي تراكم المعارف لدى المتعلم دون إقامة روابط بينها، مّما يحول دون امتلاكه لمنطق الإنجاز و الاكتشاف. بعبارة أخرى، يجد نفسه يتعلّم من أجل أن يتعلّم، وليس لفعل شيء ما أو تحليل واقع والتكيّف معه استنادا على ما تعلّمه.وكحلّ لهذه الإشكالية، تمّ اعتماد المقاربة بالكفاءات كاختيار بيداغوجي يرمي إلى الارتقاء بالمتعلم، من منطلق أنّ هذه المقاربة تستند إلى نظام متكامل ومندمج من المعارف، الخبرات، والمهارات المنظّمة و الأداءات، والتي تتيح للمتعلم ضمن وضعية تعليمية/ تعلمية إنجاز المهمّة التي تتطلّبها تلك الوضعية بشكل ملائم.ومن ثمّ، تغدو هذه المقاربة بيداغوجيا وظيفية تعمل على التحكم في مجريات الحياة بكل ما تحمله من تشابك في العلاقات وتعقيد في الظواهر الاجتماعية، وبالتالي، فهي اختيار منهجي يمكّن المتعلم من النجاح في الحياة، من خلال تثمين المعارف المدرسية وجعلها صالحة للاستعمال في مختلف مواقف الحياة.إنّ هذه المقاربة كتصوّر ومنهج منظِّم للعملية التعليمية/التعلمية،تستند إلى ما أقرّته النظريات التربوية المعاصرة وبخاصّة النظرية البنائية التي تعدّ نظرية نفسية لتفسير التعلم وأساسا رئيسا من الأسس النفسية لبناء المنهاج المدرسي، الذي ينطلق من كون المعرفة:
- تُبنى ولا تنقل؛
- تنتج عن نشاط؛
- تحدث في سياق؛
- لها معنى في عقل المتعلم؛
- عملية تفاوضية اجتماعية؛
- تتطلّب نوعا من التحكم.من هنا، فالمناهج - ومن خلالها مختلف المواد الدراسية- تستهدف تنمية قدرات المتعلم العقلية والوجدانية والمهارية ليصبح مع الأيام وبمرور المراحل الدراسية مكتمل الشخصية، قادرا على الفعل والتفاعل الإيجابيين في محيطه الصغير والكبير، وعموما في حياته الحاضرة والمستقبلية. ولكي تكون المناهج في خدمة هذا التوجّه، كان من الضروري التركيز على الكيف المنهجي بدلا من الكم المعرفي من خلال نظام الوحدات.
0 التعليقات:
إرسال تعليق