إن إحدى المهمات الملقاة على عاتق المجتمع فيما يتعلق بمرحلة الطفولة هي الكشف والاستقصاء عن الأطفال الانطوائيين، وهذا الأمر يدخل ضمن نطاق الوقاية والصحة النفسية والاجتماعية، إذ أن إحدى دلائل الانطواء عند الطفل هي الابتعاد عن التفاعل والتعامل مع الأطفال الآخرين(1)، فضلا عن عدم الشعور بالمشاركةالجماعية مع أقرانه أثناء اللعب أو أداء الواجبات الجماعية في المدرسة، وبالتالي فان الكشف عن هذا الخلل يعد حاجة ملحة للتربويين من اجل المعالجة المبكرة لكي لا يستفحل الأمر ويقود إلى ظهور أعراض مرضية قد تصعب من عملية معالجته وإزالةآثاره السلبية على الطفل والمجتمع الذي يعيش فيه، وإننا لا نستطيع أن نضمن نقلا للتربية بجميع مستوياتها أو أنواعها أو محتوياتها لمثل هؤلاء الأطفال إلا بعد معرفة العوائق التي قد تحد من عملية التعلم أو تحجم من دورها ومنها الانزواء بعيدا عن المجتمع الطفو لي الذي يعيشون فيه سواء في الروض أو المدرسة أو البيت لذا فان الكشف عن السلوك الانطوائي للطفل يمكن أن يتم في الأسرة أولا من خلال ملاحظة الوالد ينال سلوك أطفالهم، ومن ثم يمكن أخبار الإدارة المدرسية أو المرشد التربوي أو الطبيب النفسي إذا تطلب الأمر عن ذلك المظهر السلوكي غير الطبيعي، وبذلك تكون هذه أولى مراحل التشخيص السليم لوجود هذا الاضطراب السلوكي عند الطفل، وكلما كان هذا الأمرمبكرا كلما أصبحت هناك فرصة أفضل للتغلب على مشكلة الانطواء عند الطفل ومن ثم تقليل اثر هذا الاضطراب، الذي إذا استفحل أو طالت مدة عدم اكتشافه قد تفضي إلى زيادة في أعراض هذا السلوك غير السوي وتأثيره على بناء شخصية الطفل بشكل مبكر(2)، فضلا عن ظهور مضاعفات أخرى أكثر تطورا وعمقا في شخصية الطفل المستقبلية مما تجعل من معالجة أسباب السلوك الانطوائي هذا أكثر صعوبة أو تحتاج إلى وقت أطول. مظاهر الانطوائية تلك لدى الأطفال قد تعود إلى الأساليب التربوية التي تلقاها الطفل في مراحل تربوية مبكرة، أي أن سمة الانطوائية مكتسبة عن طريق الأنماط التربوية التي تستخدمها الأسرة في تنشئة الطفل و المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل، لذا أشارت كثير من الدراسات التربوية إلى أهمية التنشئة التي يتلقاها الفرد في مراحل مبكرة من الطفولة، منها توقع الآباء أن يتعلم الطفل بشكل سريع أسرع مما تؤهله له قدراته واستعداداته ونضجه، فضلا عن الجهل بإمكانيات الطفل الحقيقية مثل استعداداته العقلية والجسمية والانفعالية، لذا قد يتعرض إلى العقاب البدني أو المعنوي إذا لم يستطع أن يحقق التعلم الذي يريده الآباء منه (3)، وترى دراسات أخرى أن السلوك الانطوائي لدى الأطفال له علاقة بالجانب الوراثي (4) وهناك أسباب اجتماعية أخرى قد تؤدي إلى ظهور السلوك الانطوائي لدى الأطفال، منها اضطراب العلاقة الزوجية بين الآباء، وسوء العلاقة واضطرابها مع الأطفال الآخرين من الأشقاء في الأسرة، والاعتماد على الآباء في كل ما يتعلق بقضاء الحاجات، وازدواج المعاييرفي المعاملة بين الأبناء من قبل الآباء (5). إن الأسرة والبيئة الاجتماعية هما المؤسستان الأكثر أهمية خلال مدة التعليم الابتدائي، لأنهما تؤثرانعلى تكوين الشخصية بشكل مبكر، وواحدة من أهم السلبيات لهذه التربية والتنشئة هي تكوين شخصيات انطوائي غير اجتماعية مما يجعل من هذه الشخصيات صعبة في التكيف والتأقلم مع الأطفال الآخرين في الروضة أو المدرسة، لذا فان الأمر يتطلب تدخل تربوي وإرشادي يساهم به جميع المعنيين بالعملية التربوية بدءا بالوالدين مرورا بالمرشد التربوي والإدارة المدرسية في المؤسسة التعليمية وقد يصل الأمر إلى تدخل طبي يشرف عليه طبيب نفسي متخصص. ولكي يتم التعامل بشكل علمي مع مشكلة مثل عدم السلوك الانطوائي يفضل وضع برنامج معالجة شامل للمشكلة يتضمن خطوات واضحة وممكنة التطبيق وعملية بالنسبة للطفل، ويساهم في تطبيقها عدة جهات تشمل الأسرة أولا المتمثلة بالوالدين والإدارة المدرسية ثم المرشد التربوي أو النفسي، ويفضل أيضا فيالبرنامج فواصل تقويمية بعد كل مرحلة من مراحل تطبيقه، وذلك لمعرفة درجات التقدم أوالتحسن في نجاح البرنامج، ثم يعقبها تقويم شامل في نهاية المدة الزمنية التي تمتحديدها لتطبيق البرنامج، ويفضل أيضا وضع مدة زمنية ليست طويلة جدا ولا قصيرة جدا لمراقبة مدى تطور ونجاح البرنامج، والتي يمكن تسميتها بمدة المتابعة، والتي يكون الغرض منها التأكد من معالجة حالة الانطوائية وضمان انسجام الطفل مع مجتمعه الذي يضم أقرانه والأكبر منه سنا، وبالتالي تحقيق جزءا مهما من مكملات عملية التعلم،التي يسعى جميع المعنيين والمسؤولين عن العملية التربوية نجاحها، من اجل المساهمة الفعالة في بناء مستقبل الأطفال بناءا سليما ومناسبا بما يمكنهم من المساهمة الفعالة في تقدم ورقي الأوطان، وتلك هي الغاية الأسمى من العملية التربوية والمعنيين بها.
1 التعليقات:
الحمد لله الدي هدانا لهدا
إرسال تعليق