بل فضاء موازيا حيويا وضروريا لممارسة الأنشطة الفنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية وإنجاز المشاريع بطريقة فردية أو جماعية أو تشاركية. فما هو-إذاً- مفهوم مشروع المؤسسة؟ وماهو موقعه ضمن المذكرات والمنشورات الوزارية المغربية و الإصلاحات التربوية؟ وماهي مواصفات مشروع المؤسسة؟ وماهي أهم الملاحظات النقدية والتوجيهية التي سنخرج بها أثناء تقييمنا لمشروع المؤسسة في نظامنا التربوي المغربي؟
من المعروف أن الإنسان حسب الفيلسوف الفرنسي الوجودي جان بول سارتر مشروع وجودي مستمر ودائم يبدل قناعاته واختياراته في كل وقت وآن. ومن ثم، فإن المشروع هو اقتراح وضعية إنجازية وسلوكية لتجاوز عائق أو تعثر على ضوء خطة عمل محددة الأهداف والوسائل والإمكانيات والظروف قصد تحقيق منفعة مادية أو معنوية .ويعرفه محمد الدريج بأنه" سلوك إنساني مستبق يفترض القدرة على استحضار الغائب( ماليس حاضرا الآن) وتخيل الزمن القادم( تصور المستقبل) من خلال إنشاء سلسلة من الأعمال والأحداث الممكنة والمنتظمة بشكل قبلي ومسبق." ويضيف الباحث:" إنه سلوك إنساني يفترض أسلوبا في التفكير والعمل، يحيل على خطة تستند إلى منهجية تحدي المشاكل، انطلاقا من تحليل دقيق للواقع( الوضعية الراهنة) واقتراح الحلول وضبط وسائل العمل وبرمجة النشاط... لبلوغ الأهداف المنشودة( تجاوز الذات والواقع) بأكبر قدر من الفعالية والعقلانية والتخطيط.
ويمكن الحديث عن عدة مشاريع في مجالات مختلفة: مشروع سياسي، ومشروع اقتصادي، ومشروع اجتماعي، ومشروع ثقافي، ومشروع فني، ومشروع رياضي... ولكن ما يهمنا هو المشروع التربوي أو التعليمي المقترن بالمدرسة أو المؤسسة التربوية بصفة عامة. لكن محمد الدريج يقسم المشروع المرتبط بالمدرسة إلى عدة مشاريع كمشروع النشاط التربوي والمشروع التربوي والمشروع البيداغوجي ومشروع المؤسسة ومشروع المنطقة. ويلاحظ على هذا التصنيف عدم الدقة والخلط المنهجي وعدم تدقيق المفاهيم نظرا لتداخل هذه الأنواع كلها، وإلا فما الفرق بين المشروع التربوي والمشروع البيداغوجي؟ليس هذان المصطلحان بمفهوم واحد: الأول بالعربية والثاني بالفرنسية؟! والآن علينا أن نعرف ما هي خصائص المشروع التربوي ومميزاته؟ من مميزات المشروع التربوي أنه مرتبط بالمؤسسة التعليمية وبالفضاء الدراسي والبيداغوجي و الديداكتيكي، كما أنه مشروع دينامي وحيوي يتكيف مع الحاجيات والوضعيات الجديدة التي تواجهها المدرسة، علاوة على كونه فعلا ميدانيا وواقعيا ونشاطا عمليا برجماتيا ينطلق من أهداف معينة وفلسفة خاصة واعية بالزمن وسياقات الإنجاز. وهو كذلك فعل جماعي تشاركي وتعاوني يقوم به التلاميذ بمآزرة الفريق الإداري والتربوي في مشاركة مع الفاعلين الداخليين والخارجيين، زد عن ذلك أنه شامل لجميع عناصر خطة العمل. وقد أحصى مارك بروMARC BRU ولوي نوطLOUIS NOT خمس وظائف أساسية للمشروع: الوظيفة الاقتصادية والإنتاجية. الوظيفة العلاجية. الوظيفة الديداكتيكية. الوظيفة الاجتماعية والتواصلية. الوظيفة السياسية( تكوين المواطن الصالح المدني).
أما مشروع المؤسسة فهو مشروع تربوي إرادي وتطوعي واقعي يخدم مصلحة التلميذ من خلال تضافر جهود كل الفاعلين التربويين والإداريين والشركاء الداخليين والخارجيين لإيجاد حلول ناجعة عملية وميدانية لوضعيات ومشاكل تواجهها مؤسسة تربوية ما من خلال اقتراح خطة العمل محددة الأهداف والوسائل والإمكانيات قصد تحقيق حاجيات وإشباع رغبات المتمدرس ماديا ومعنويا. وتعرفه وزارة التربية الوطنية بأنه" يعني برنامجا إراديا وخطة تطوعية مؤلفة من مجموعة من الأعمال المنسجمة التي تهدف إلى الحصول على أفضل النتائج في المؤسسات التعليمية، والرفع من مستوى التحصيل بها، والسمو بجودة علاقتها بمحيطه الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي".
وقد كانت المذكرة الوزارية رقم 73 أكثر تحديدا لمشروع المؤسسة من خلال تحديد أهدافه:" وحتى يؤدي المشروع التربوي المنتظر منه فإنه ينبغي أن يتمحور حول موضوع له اتصال مباشر بالحياة اليومية للمؤسسة وأن يهدف إلى دعم العمل التربوي في مختلف مساراته، وأن يكون وسيلة تساعد على رفع مستوى التعليم وزيادة فعالية العمل التربوي ونجاعته في تحقيق الترقي الذاتي للتلاميذ، وفي جعل المدرسة عنصر إشعاع وتنمية.
ويرى محمد الدريج أن مشروع المؤسسة عبارة عن"برنامج إرادي تطوعي( خطة عمل) مؤلف من سلسلة من الأعمال والإجراءات التي تهدف، بشكل منسجم، الحصول على أفضل النتائج في المؤسسات التعليمية والرفع من مستوى وجودة التعليم بها، وتعميق ارتباطها بمحيطها واندماجها في مجالها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. إنه خطة منظمة متناسقة العناصر، يتعاون على تنفيذها فريق تربوي (مجموعة عمل) داخل المؤسسة، من خلال جملة من الأنشطة، لغاية اختيار ما يناسب من أهداف تربوية وتكييفها بما يلائم متطلبات البيئة وحاجيات الجماعات المحلية ومطالبها، وفي انسجام مع الغايات والمبادئ العامة المقبولة والمتفق عليها على الصعيدين الوطني والعالمي"
أما عبد اللطيف الفارابي ورفاقه فيعرفون مشروع المؤسسة بأنه:" خطة أو برنامج متوسط المدى يتألف من أعمال وأنشطة قصدية ذات طبيعة تربوية وبيداغوجية، يشارك في بلورتها وإعدادها وإنجازها وتقويمها مجموعة من الفاعلين المنتمين إلى المؤسسة التعليمية، وفاعلين لهم اهتمام بالتربية، تربطهم بالمؤسسة علاقة شراكة. ويتوخى مشروع المؤسسة بالأساس الرفع من إنتاجية المؤسسة، وتحسين شروط العمل داخلها، والرفع من مردوديتها التعليمية، ودمجها في محيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي".
و قد ظهر مشروع المؤسسة باعتباره مظهرا من مظاهر التجديد . التربوي في الغرب وخاصة في الدول الأنجلوسكسونية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق