لذا فإن الطفل يرغب فيما يرغب فيه أقرانه وأن يفعل مثل الذي يفعلون، ثم إن الصغير قبل سن المدرسة يحس بأن عليه أن يمارس تجربة الانخراط في الحياة العامة خارج المنزل فيتوق إلى أن يحبه الآخرون، وأن يكون محبوباً عندهم وأن يشاركهم ما يقومون به من كافة النشاطات اليومية والتي من خلالها يمارسون طفولتهم.
فالمدرسة ليست كما يتصورها البعض هي لمجرد الدرس وتعلم القراءة والكتابة وغيرها من العلوم، بل هي مؤسسة تربوية متكاملة إذ أنها تعلم الصغير جل ما يكون في إطار مستلزمات الحياة الاجتماعية السليمة، لأن الغرض من التربية هو صنع جيل مؤهل معنوياً ومادياً، بترسيخ القيم الإنسانية والأخلاق الكريمة، وتنمية المهارات، وأيضاً تنمية جميع الأبعاد الوجودية المتعلقة بهذا الكائن، من الجسم والذهن والنفس والعواطف والعقل، وتحريره من المضايقات والظلمات والنقائض وهي أيضاً تمد الطفل بطاقة هائلة لبعث النشاط والحيوية في نفسه فنرى الطفل يتعلم ويلهو ويلعب في نفس هذه المؤسسة التربوية.
أسباب التأخر الدراسي
لسوء الحظ إن بعض الأطفال يتعرضون في المدرسة لمشكلة التأخر الدراسي والتي تعتبر من أصعب المشاكل التي تواجه التلميذ لأنها تحصره في زاوية ضيقة.
والسبب في ذلك هو إصابته ببعض الأمراض النفسية مثل الغيرة الشديدة، أو الخوف وضعف الثقة بالنفس أو الإقدام على الفوضى أو سيطرة السلوك العدواني عليه إلى غير ذلك من المشاكل المترتبة على شعور التلميذ بالنقص والانطواء أو السلبية أو العدوان أو السرقة واضطراب صحته النفسية.
وعندما نريد تحديد مشكلة التأخر الدراسي فإنه يجب علينا معرفة السبب في ذلك فقد تكون الأسباب خارجة عن إرادة الطفل كالأسباب العضوية أو أن هناك عوامل متعددة تساهم في تكوينها المدرسة أو البيت أو كلاهما. ولجلاء أسباب المشكلة يجب أن تتحد جميع الجهود في البيت لاسيما الأبوين أو المربي والمدرسة من خلال المعلم والمرشد الطلابي أو الطبيب النفسي. ومن الضروري على أسرة التلميذ أن تقوم بجمع معلومات دقيقة وموضوعية عن حالة الطفل، ليكون الوصول لتشخيص حالة الطفل أيسر وأضمن، كما ينبغي متابعة الطفل صاحب المشكلة من امتحان إلى آخر ومن سنة إلى أخرى وليس بشكل وقتي فقط.
وترجع أسباب مشكلة تأخر الطفل في المدرسة إلى أسباب فردية وتنقسم إلى ثلاثة أقسام جسمية وعقلية ونفسية.
في الحالة الجسمية يعاني الطفل المتأخر دراسياً من ضعف عام بسبب سوء التغذية أو إصابته بالأمراض الطفيلية أو ضعف السمع أو البصر.
ومن الناحية العقلية قد يكون مستوى ذكاء الطفل المتأخر دراسياً أقل بكثير من مستوى الذكاء العام لبقية الأطفال أو ربما يكون متخلفاً في قدراته العقلية، مما يجعله غير متابع لدروسه.
ومن الناحية النفسية إذا كان الطفل مصاباً بعاهة ما قد تسبب له السخرية من زملائه فيتولد لديه الشعور بالنقص وضعف الثقة بنفسه فيكره المدرسة ويكثر غيابه وربما لجأ إلى حيل تعويضية لا شعورية كالتبرير والنكوص وغيرها. فالحالة النفسية المتردية لدى الطفل تؤثر عليه سلباً فتؤدي إلى تراجعه في دروسه وتجعل منه شخصاً مشلول فكرياً فالطفل المصاب بعاهة لا يجب أن يكون حبيس البيت بل يجب أن يعامله المجتمع على أنه فرد عادي يتمتع بكافة حقوقه ويؤدي واجباته التي يقدر على أدائها حتى يصبح فرد سوي وغير معزول. وهناك أسباب أخرى كالتدليل الزائد للطفل من قبل الوالدين أو اضطراب جو العائلة كوجود حالة فقر في العائلة أو وجود مشاكل مستمرة مما تعمل على تشتت ذهن الطفل وانعدام قدرته على التركيز.
ومن الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى التأخر الدراسي للتلميذ (الطفل) هو ما يتعلق بالمدرسة والمدرسين عندما تكون هناك حالات من الضغوط على التلميذ من قبل المدرسين وإدارة المدرسة فيكون أساس المعاملة قائم على القوة والشدة مما يؤدي إلى نتائج عكسية حيث يبدأ الطفل بأن يكره مدرسته ويظهر عدم رغبته للذهاب إليها لأن التوافق النفسي والشخصي سينعدم عند التلميذ في محيط المدرسة. فنلاحظ بأن المعلم المتفهم والقوي الشخصية والحنون سوف يكسب تلاميذه بسهولة ويجعل المادة محببة لديهم حتى ولو كانت صعبة الفهم عليهم أما إذا حدث العكس فإن الطفل سوف ينفر من المعلم والمادة وحتى من المدرسة في بعض الحالات لأن المعلم سوف يمثل له غولاً قد ينقض عليه في أي حصة دراسية.
وهناك أسباب عضوية تسبب التأخر الدراسي تتضمن العيوب السمعية والبصرية وعيوب النطق والكلام والضعف البدني وقصور القدرات العقلية، وهي من أخطر المشكلات التي يعاني منها أطفال المرحلة الابتدائية حيث تتعطل المدرسة عن أداء وظيفتها ويستطيع كل معلم أن يقرر وجود هذه المشكلة في كل فصل دراسي بالمرحلة الابتدائية، حيث توجد مجموعة من المتعلمين الذي يعجزون عن مسايرة بقية زملائهم في التحصيل الدراسي، فتصبح المشكلة مشكلة تأخر دراسي نوعي.
حيث يعاني المتأخرون دراسياً من مشاعر النقص، والإحساس بالعجز عن مسايرة غيرهم، وغالباً ما يحاول هؤلاء التعبير عن هذه المشاعر السلبية بالسلوك العدواني أو بالانطواء والانعزال، أو الهروب من المدرسة، أو من المجتمع ككل.
ومن الأسباب الرئيسة في رسوب الطفل في المرحلة الابتدائية التخلف أو الضعف في القراءة وإذا قدر للطفل أن ينتقل من صف دراسي إلى ماهو أعلى منه ـ بصرف النظر عن المستوى الدراسي التحصيلي له ـ فإنه يواجه صعوبة استيعاب المنهج الجديد، فتزداد المشكلة تعقيداً.
إن تحديد حاجات هؤلاء الأطفال ومستوياتهم وإعداد الخبرات والمعلومات والمهارات التي تسد هذه الحاجات وتلائم تلك المستويات أمر عسير بالنسبة إلى المعلم العادي، ولذا فإنه من الضروري أن يعمل المعلمون مع المشرفين والاخصائيين المختصين بالاشتراك مع إدارة المدرسة لوضع أو اختيار البرنامج المناسب لعلاج هؤلاء الأطفال من الضعف في القراءة أولاً، ومن ثم يمكن تجنب المشكلة في وقت مبكر، وكلما تم التعرف على الطفل المتأخر دراسياً، وأمكن تحديد نوع تأخره وسهل إعداد برنامج دراسي ملائم له. فمن الأمور التي يمكن أن يقوم بها هؤلاء المختصين والمربين إعداد دورات تقوية للقراءة كإعطاء الأطفال قصص قصيرة محببة لديهم لقراءتها في البيت والتدرب عليها ومن ثم قراءتها في الصف.
مساهمة في بعض الحل
على أولياء أمور الطلاب أن يمهدوا للطفل دخوله للمدرسة فلابد أن يتهيأ الطفل نفسياً وجسمياً لهذه المرحلة المهمة في حياته حيث ينبغي أن يتمتع بكامل صحته، ولذا يجب أن يجرى له فحص طبي من قبل الطبيب. وعلى الأبوين أيضاً أن يربيا الطفل على التفاهم مع الغير في محيط المدرسة أولاً ثم في محيط العامة، فإنه من الواجب تشجيع الطفل على أن يكون اجتماعياً مرناً يحسن تجربة الأخذ والعطاء ويتقن التكيف.
إن صحة الجسم ليست كافية وحدها من أجل تكوين إنسان منتج سعيد، بل لا بد أن يكون العقل سليماً ومشرقاً، وتكون الشخصية سوية وبعيدة عن الاضطراب والانحرافات، ويظل الطفل يشعر بأنه يتمتع بعقلية سليمة ومتماسكة ما دام يحس بالثقة في محبة أبويه وما دام يمارس الاندماج في حياة الجماعة. فيضطلع ببعض المسؤوليات، ويحقق بعض الحاجات بنفسه، ويلعب مع رفقاء من سنه ومحيطه، وعلى الأبوين المثقفين أن يقدما لطفلهما أعظم الخدمات التربوية ويتصلا بإدارة المدرسة ويقدما ملاحظاتهما العامة عن طفلهما في بيته، فذلك أفضل بكثير من أن يعمل البيت لوحده أو المدرسة لوحدها، أو أن يتعارض عملهما ويتناقض. سيتاح للطفل كل ما يلزمه وما يحتاج إليه من أجل استقراره العاطفي وسيشعر أنه يمتلك كل ما يحتاج إليه من العناية والاهتمام، إذا توفرت له عناصر النجاح في تجربته المدرسية فيبدأ بتحمل مسؤلياته برضى وقبول.
إن سعادة الطفل ونجاحه في المدرسة يعتمد كل الاعتماد على ما يبذله الأبوان من محبة صادقة وتشجيع أكيد، وما يقدمانه له من نموذج طيب في احترام الحياة وتقدير العمل والجهد الإنساني، وهذا يعني أن الدعم الذي يقدم للطفل من قبل الأبوين والتشجيع سيمنحانه الشعور بالأمن والاستقرار، وهو شعور هادئ عظيم القيمة، ولا مناص منه من أجل النجاح في المدرسة بشكل خاص والحياة عموماً.
فالطفل سوف يتمتع بشخصية قوية وهادئة في آن واحد لأنه قد تربى في بيئة تربوية سليمة ومستقرة. أما في المدرسة فينبغي أن يسود الحب والمودة طبيعة العلاقة بين المدرس وتلاميذه حتى يأخذوا عنه بشغف ويقبلوا على دروسه. ويجب على المدرسة أن تحرص على عدم تغيير مدرسي المواد أثناء الفصل الدراسي وعلى المدرس أن ينظر إلى طريقة تدريسه دائماً ويتناولها بالتعديل أو التغيير مع ضرورة توجيه النشاط التربوي توجيهاً علاجياً سليماً وتحسين مستوى التوافق المدرسي. وأخيراً ينبغي أن لا ننسى أن الوقاية خير من العلاج، فبدلاً من أن نترك الطفل يتردى في هاوية الاضطرابات النفسية ثم نبدأ في علاجه علينا أن نقيه مسببات هذه الاضطرابات فنعمل قدر استطاعتنا على تنقية الجو الأسري والمدرسي من شوائب التفكك والاضطراب حتى نضمن صحة نفسية سليمة لأطفالنا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق