تعلم الموسيقى في الصغر..له تأثيراته الإيجابية على وظائف المخ عند البلوغ
|
وأشارت دراسة حديثة نشرت في أغسطس (آب) الماضي في مجلة «علم الأعصاب» Journal of Neuroscience إلى أن تعليم الموسيقى في الصغر يأتي بنتائج إيجابية على وظائف المخ عند البلوغ، خاصة فيما يتعلق بالسمع وتمييز الأصوات المعقدة.
وهذه الدراسة قام بها باحثون من جامعة نورث ويسترن بالولايات المتحدة الأميركية Northwestern University تحت قياده الدكتورة نينا كراوس Nina Kraus وهى أستاذ في علم الفسيولوجي وعلم الأعصاب.
تمييز الأصوات المعقدة
وعلى الرغم من أن تأثير الموسيقى على المخ تمت دراسته كثيرا في العقود الماضية؛ إلا أن الباحثين في هذه الدراسة قاموا بدراسة ماذا يحدث حينما يتوقف الأطفال عن عزف آلة موسيقية لبضع سنوات وتأثير ذلك بعد انتهاء مرحلة الطفولة وصولا للبلوغ. ووجدوا أن البالغين الذين مارسوا عزف آلة موسيقية في طفولتهم في فتره تتراوح بين عام و5 أعوام لديهم فرص في التعرف على الأصوات المعقدة complex sounds واستخلاص مكوناتها الأساسية، والقدرة على التعرف على ترددات الأصوات أكثر من أقرانهم الذين لم يمارسوا العزف أو لم يسبق لهم تعلم آلة موسيقية.
وتعتبر هذه الدراسة مهمة، حيث إن التعرف على الترددات الصوتية هو ما يمكن الإنسان من تفسير الأصوات في وسط الضوضاء والتعرف على الكلمات بسهولة، حيث إن التدريبات الموسيقية تجعل من الطفل مستمعا أفضل.
وأوضحت الدراسة أنه حتى وإن كانت هناك كثير من الدراسات أجريت على تأثير الموسيقى على المخ، فإن معظم هذه الدراسات تناولت الأشخاص الذين يمارسون الموسيقى لفترات طويلة في حياتهم سواء على سبيل الهواية أو الاحتراف.
استجابات المخ
وتعتبر هذه الدراسة هي الأولى التي تتناول أهمية الموسيقى وتأثيرها على المخ، الذي يمتد طويلا حتى إذا تمت ممارستها لفترة وجيزة، وتجيب على السؤال الذي يطرحه كثير من الآباء على أنفسهم، وهو هل يستفيد الطفل إذا مارس التدريب على الآلات الموسيقية لفترة بسيطة في حياته ثم توقف؟ وهو ما يحدث في الأغلب لمعظم الأطفال.
وفى هذه الدراسة تم فحص 45 شخصا من الشباب والبالغين وتم تقسيمهم إلى 3 مجموعات، مجموعة لم يسبق لها تعلم آلة موسيقية في الصغر، ومجموعتين من الذين مارسوا العزف على آلات موسيقية في فترات طفولتهم، ثم توقفوا عن ذلك. وكانت واحدة من هاتين المجموعتين قد تلقت تدريبات موسيقية لمدة تتراوح بين عام و5 أعوام، والأخرى تلقت تدريبات لمدة من 6 إلى 11 عاما، وكانت بداية تعلم الآلات الموسيقية في عمر التاسعة، وهى الفترة التي يبدأ فيها تعلم الموسيقى في المدارس في الأغلب من خلال قياس الإشارات الكهربائية من الجزء الخاص بالسمع في جذع المخ في الاستجابة لثمانية أصوات معقدة تختلف في الحدة. وتعرف الباحثون على أن الجهاز العصبي قادر على التقاط وتحليل عناصر الصوت، وكيف أن هذه العناصر، وهذه الآلية تقوى أو تضعف من شخص لآخر تبعا لاختلاف القدرات والخبرات.
وحسب المتوقع انعكست الفترة التي مارس فيها الأشخاص البالغون الموسيقى بالإيجاب في تحديد الأصوات وحدة السمع، والمعروف أن تحسن استجابة جذع المخ للاستجابة للصوت مرتبطة بازدياد الإدراك السمعي (أي تفسير وتمييز المفردات) وعلى ذلك يكون تعرض الإنسان في الصغر لتعلم الموسيقى أثر بالغ في تمييز الأصوات المعقدة، وهو الأمر الذي نتعرض له جميعا خاصة في الأماكن المزدحمة والصاخبة مثل المطاعم أو ضوضاء الشارع.
وكانت الدكتورة كراوس قد قامت بدراسة في السابق خلصت إلى أن الأطفال الذين يتعرضون لخبرات لغوية مختلفة، مثل الأطفال الذين يتحدثون لغتين bilingual (في حالة اختلاف جنسية الآباء) أو يتعرضون لدروس موسيقية مبكرا ولفترات طويلة، يظهر لديهم تحسن في السمع وإدراك الكلام، فضلا عن أن المخ نفسه يخضع للتغيير في غضون أسابيع قليلة في حالة تعرضه لجرعات مكثفة من التجربة السمعية المختلفة، كما في حالة التدريبات الموسيقية فيما يشبه التدريب على مهارات الكومبيوتر.
وأشارت دكتورة كراوس إلى أن نتائج هذه الدراسة جنبا إلى جنب مع الدراسات السابقة يمكن أن تهيئ فرصة لتغيير استراتيجية التعليم، خاصة في الدول النامية، حيث إن تعرض الطفل للخبرات السمعية المختلفة من خلال التدريب السمعي أو ممارسة العزف على آلة موسيقية يكون من شأنه أن يرفع الإدراك السمعي ويحسن وظائف المخ في المستقبل.
دراسات حول الموسيقى
وفى نفس السياق وفى شهر مايو (أيار) الماضي نشرت دراسة أخرى كندية أشارت إلى أن تأثير الموسيقى التفاعلية (بمعنى أن يستمع الطفل ويحاول أيضا الطرق على آلة موسيقية أو ما شابه ذلك) على مخ الأطفال يبدأ حتى قبل بداية أن يتعلموا الكلام والمشي. وهذه الدراسة تناولت كثيرا من الأطفال في عمر عام من الذين شاركوا مع ذويهم في فصول لتعلم الموسيقى، وتبين أن هؤلاء الأطفال يبتسمون أكثر وقدرتهم على التواصل أكثر من أقرأنهم، فضلا عن أنهم أظهروا تفاعلا مع الموسيقى في وقت مبكر. وأشارت الدراسة إلى أن مخ الأطفال في هذا العمر يكون مرنا تماما للتعامل مع الموسيقى.
وقد تم تقسيم الأطفال مع آبائهم إلى مجموعتين، مجموعة استمعت إلى موسيقى وشاركت في العزف أو اللعب على آلات موسيقية أو أداء حركات أثناء الغناء أو محاولة التصفيق، ومجموعة أخرى قامت باللعب بألعاب مع الاستماع إلى موسيقى هادئة في الخلفية مع تعرض الأطفال لنفس الكمية والنوعية من الموسيقى في المنزل، ومع العلم أن هؤلاء الأطفال كانوا في مرحلة نمو واحدة ولم يتعرضوا لفصول موسيقية من قبل.
وكانت النتيجة أن الأطفال الذين اشتركوا في مجموعة الموسيقى التفاعلية أظهروا حساسية أكثر لنبرة الصوت والموسيقى أكثر من أقرانهم الذين شاركوا في السمع السلبي، وحتى استجابة المخ للموسيقى اختلفت في الأطفال في المجموعة التفاعلية، حيث كانت أكبر ومبكرا عن أقرانهم ذوى الاستماع السلبي، وبغض النظر عن التأثير الموسيقي كان تأثر الأطفال على مستوى النمو الاجتماعي ومهارات التواصل مدهشا، حيث بدا أطفال الموسيقى التفاعلية أكثر ابتساما وبدأوا في الإشارة إلى شيء بعيد يريدونه، وأيضا بدأوا في التلويح بعلامات الوداع مبكرا وظهروا أقل توترا وبكاء في حالة رؤية أشياء غير مألوفة، كما استجابوا أفضل لمحاولات اللعب معهم والتهدئة من روعهم في حالة البكاء.
وهذه الدراسات يجب أن يتم الاهتمام بها في المدارس، خاصة أن كثيرا من الآباء لا يدركون أهمية ممارسة العزف على آلة موسيقية وليس بالضرورة أن تكون غالية الثمن، وذلك لزيادة قدرات الطفل وإكسابه مهارات متعددة في التواصل، وهى ضرورة للنمو النفسي والعضوي.
د. هاني رمزي عوض
* اختصاصي طب الأطفال - القاهرة
0 التعليقات:
إرسال تعليق