3:13 ص
المجلة التربوية الشاملة
لا يوجد تعليقات
الكل يعرف أن الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين أطلقت مبادرة البرنامج الاستعجالي لتجاوز بعض الاختلالات والإخفاقات التي لم تنجح تدخلات واقتراحات الميثاق الوطني للتربية والتكوين في تجاوزها بعد. و لإعطاء نفس جديد لإصلاح نظام التربية والتكوين وتسريعه، وتجاوز الاختلالات المسجلة وخصوصا من طرف المجلس الأعلى للتعليم في تقريره الأول لسنة 2008،أطلقت الوزارة مبادرة المخطط الاستعجالي(2009-2012)،لإنجاز 27 مشروعا ينتظم في أربعة مجالات للتدخل كما هو معروف. ومن هذه المشاريع، المكون الأول للمشروع الثامن المتضمن في المجال الأول،والخاص بتطوير العدة البيداغوجية ، من خلال استكمال إرساء المقاربة بالكفايات ، وتوفير إطار منهجي لأجراة هذه المقاربة البيداغوجية بشكل واضح ومتفق عليه من خلال توحيد المرجعية والنموذج البيداغوجي المعتمد. تبعا لذلك تم اختيار مقاربة بيداغوجيا الإدماج كإطار منهجي لأجراة وتطبيق بيداغوجيا الكفايات، وذلك بتأطير وهندسة صاحبها كزافيي روجرس،حيث ا انطلقت اوراش التجريب لهذه المقاربة ، ثم تكوين الأطر التعليمة لتمثل هذه المقاربة والاستعداد لتطبيقها.وبالفعل انطلق العمل بهذه المقاربة.لكن،لم يتم حسب علمنا تعميم التقويم الأولي لتجريب بيداغوجيا الإدماج،لمعرفة نقط قوتها وضعفها لاستثمار ذلك من طرف الفاعلين المعنيين أثناء التطبيق الفعلي لهذه المقاربة!ولم يفتح في شانها نقاش وتقييم وطنيين وخاصة من طرف الممارسين المباشرين الذين يمتلكون حسا ميدانيا يمكنه أن يساهم بفعالية كبيرة في بلورة الصياغة النهائية لإنزال وتفريغ وتطبيق بيداغوجيا الإدماج حسب الخصوصيات المغربية.
صحيح أن معالجة أعطاب وأوجه الخلل في آلة نظام التربية والتكوين والرفع من فعاليتها ونجاعتها ، يقتضي بشكل أساسي استهداف المنهاج التربوي،من حيث هندسته التنظيمية والتدبيرية،ونماذجه وطرقه ومقارباته البيداغوجية...لكن في رأينا فإن مجرد اعتماد نموذج أو مقاربة جديدة(وغالبا بطريقة النقل الميكانيكي/الحرفي) غير كاف بحد ذاته لتحقيق فعالية وجودة ومردودية أحسن (مدرسة النجاح)،لأن النموذج البيداغوجي هو متغير/عنصر واحد من بين متغيرات وعناصر أخرى تشكل نظام التربية والتكوين،كنظام ترتبط متغيراته/عناصره من خلال علاقات بنيوية ووظيفية ،تتفاعل ويؤثر بعضها في البعض الآخر،ولكل عنصر/متغير فعاليته الخاصة، وآثاره السلبية أو الإيجابية في إنجاح النظام ككل، وتحقيق أهدافه المؤملة والمنتظرة.بمعنى أن نجاح مقاربة بيداغوجيا الإدماج(التي تهمنا هنا) وتحقيق أهدافها الايجابية التي راهن عليها صناع القرار التربوي،يجب أن نوفر لها شروط أخرى وظروف موضوعية ، لها علاقة بنيوية ووظيفية لضمان فعاليتها ونجاحها...حيث يمكن أن تتراوح هذه الشروط بين البيداغوجية والمهنية والتجهيزية والخدماتية ، نذكر منها:
1-بيداغوجيا:
من الناحية البيداغوجية يمكن تسجيل بعض الملاحظات الأولية على التطبيق المغربي الحالي لبيداغوجيا الادماج،والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
- إذا كان من بين أهداف تطبيق بيداغوجيا الإدماج ،كما يصرح بذلك كزافيي روجرس،هو تحقيق الإنصاف والموضوعية في تقييم تعلمات المتعلمين(وخصوصا التقييم الاشهادي)،وذلك من خلال إعطاء للمتعلم على الأقل ثلاث فرص(قاعدة 3/4) أو فرصتين(قاعدة 2/3) للتأكد من تحكمه في الكفاية أي، وضع المتعلم في ثلاث وضعيات أو وضعيتين مركبة تعكس الكفاية الأساس،وذلك تحقيقا للإنصاف والموضوعية كما قلنا،ولحق المتعلم/ة في الخطأ كما هو الشأن لباقي الممارسين والخبراء الذين يمكن لهم كذلك أن يقترفوا أخطاء رغم كفاءتهم وخبرتهم.
غير أنه من الملاحظ ، حسب التنزيل المغربي لمقاربة الإدماج ، خصوصا في الشق المتعلق بالتقييم ، يجد المتعلم نفسه أمام ثلاث تعليمات وليس ثلاث وضعيات تقييمة مركبة تعكس الكفاية المستهدفة ؟! أي يجد نفسه فقط أمام وضعية تقييمة مركبة واحدة(فرصة واحدة)!ونقيم كل تعليمة من خلال ثلاث معايير(الملائمة ، الانسجام ، الاستخدام السليم لأدوات المادة)،بالإضافة إلى معيار الإتقان . أولا من الناحية المفاهيمية ، حسب الجهاز المفاهيمي لبيداغوجيا الإدماج كما هو عند روجرس،هناك خلط أو ضبابية مفاهمية تخص مفهوم المعيار والتعليمة:إننا نقيم الكفاية(وليس التعليمة) من خلال معايير معينة،والمعايير يتم أجراتها من خلال مؤشرات كمية أو نوعية ، والمؤشرات يتم تدقيقها من خلال تعليمات(مُوجهة).
كما يبقى الأهم معلقا وغير واضح:وهو كيف نقيم التركيب أساس الإدماج؟وكيف نصوغ معيارا للتحقق من الإدماج/التركيب؟ ذلك إن المعايير المعتمدة لتقييم الكفاية هي:الملاءمة،الانسجام،التطبيق السليم للموارد(معايير الحد الأدنى)،بالإضافة إلى معيار الإتقان.ألا يجدر تخصيص معيار مستقل للتركيب؟
- كما أنه من الناحية النمائية السيكو- ذهنية،هناك فرضية/تساؤل يخص مدى نجاعة إخضاع كل المستويات التعليمية للتقييم انطلاقا من الوضعيات المركبة؛حيث أن التركيب الذي يجب أن يقوم به كل المتعلمين،ينتمي(التركيب) إلى العمليات الذهنية/العقلية العليا(خصوصا حسب صنافة بلوم)،وهذه العملية العقلية المجردة والعليا تتطلب عمليات ذهنية أخرى معقدة( إدراك وفهم،استنباط،ربط،انتقاء،استنتاج....).وبما أن معظم المتعلمين في هذه المراحل التعليمية، حسب المعطيات النمائية الذهنية لبياجي ،يوجد في مرحلة الذكاء المشخص(من 6/7سنوات إلى 11/12 سنة)،بل كل مستوى قد ينتمي إلى معطيات نمائية ذهنية خاصة(6/7 سنوات مرحلة الذكاء ماقبل عملياتي،من 7إلى 11/12 مرحلة الذكاء العملياتي الحسي،11/12 سنة ومافوق مرحلة الذكاء العملياتي الصوري).من خلال هذه المعطيات النمائية،فهل يجوز تقييم كل المستويات الدراسية(وخصوصا الصغرى) من خلال وضعيات مركبة،والتي تبنى من خلال معطيات رمزية مجردة لغوية أو أيقونية؟أي أن المتعلم مطالب باستخدام عمليات ذهنية عليا ومعقدة (منها التركيب) من خلال معطيات رمزية ومجردة قد تفوق قدراته النمائية الذهنية؟
فهل بيداغوجيا الإدماج أخذت بعين الاعتبار هذه المعطيات النمائية خصوصا في تطبيقاتها بالمدرسة الابتدائية؟ذلك أن التركيب كعملية عقلية عليا لا يكتمل نماؤه إلا خلال المرحلة النمائية الأخيرة(مرحلة الذكاء العملياتي الصوري/المجرد،حولي 11/12 سنة وما فوق).
الكل يعرف أن المتعلمين يجدون صعوبات كبيرة فقط في تذكر الموارد(استعمال قدرة عقلية دنيا حسب تصنيف بلوم)، والنتائج السلبية شاهدة على ذلك ، فما بالك أن المتعلم سيجد نفسه أمام مهمة مزدوجة ومعقدة : تذكر الموارد وتركيبها لحل وضعية معينة؟!أم هل سيتم تكييف متعلمينا مع تعلم التركيب والتعقيد،وبالتالي إكسابه القدرات العقلية العليا بالتدريج،وبالتالي تسريع عمليات اكتسابها رغم القوانين النمائية الاعتيادية؟
نظن أن طريقة بناء وضعيات التقييم الحالية ستسفر عن نتائج كارثية،إذا لم تراع طبيعة المرحلة النمائية والدراسية للمتعلمين،وإذا لم تراع الخصوصيات السوسيو ثقافية للمستهدفين(متعلمي التعليم العمومي،أغلبهم من فقراء الوسط الحضري والقروي) حيث يتميزون بالهشاشة المعرفية والذهنية(سيادة العمليات العقلية الدنيا)،وكذلك إذا لم تبن الوضعيات التقييمية بكيفية متدرجة: تقييم الموارد(وزن2/3) ثم تقييم الكفاية(وزن1/3)،وكذلك مراعاة التدرج من البسيط الى المعقد في بناء الوضعيات التقييمة،وإعطاء أكثر من فرصة للمتعلمين:وضعيتان بسيطتان،ثم وضعية معقدة.
- التنظيم البيداغوجي للتعلمات:التنظيم البيداغوجي المغربي الحالي للتعلمات اختار:6أسابيع لتعلم الموارد،و أسبوعين لتعلم الإدماج وتقييم ومعالجة الكفاية ، وذلك في كل مرحلة من المراحل الأربع المخصصة في السنة الدراسية(34 أسبوعا)؛هنا يجد المتعلم نفسه فقط أمام ثلاث فرص على الأقل لتعلم الإدماج، و3 فرص على الأقل لدعم ومعالجة تعثرات تعلماته .فهل هذا كاف لتعلم الإدماج المستهدف الأساسي من عملية التقييم؟
لما مثلا لم يتم اختيار التنظيم البيداغوجي التدريجي للتعلمات،والذي اقترحه كذلك روجرس ووصفه بالغني: ثلاثة أسابيع لتعلم الموارد،ثم أسبوع الدمج الجزئي...
حيث سنتيح للمتعلم أكثر من 12 فرصة في السنة لتعلم الإدماج(8 جزئية،و3او4 كلية)،وأكثر من 12 فرصة في السنة لدعم ومعالجة تعثرات تعلماته.
الظاهر ان اعتماد التنظيم البيداغوجي الحالي(6 موارد 2 إدماج) يبرره فقط مطابقته للتنظيم البيداغوجي للبرنامج السنوي المعتمد.في حين المطلوب تغيير المنهاج برمته (برامج ، ومواد دراسية ، وكتب مدرسية ، وتنظيم بيداغوجي للسنة ، والايقاعات والأغلفة الزمنية.....) ليلائم بناء المنهاج المتمحور على الكفايات والإدماج وعلى الفعالية الذاتية للمتعلم/ة، عوض المحتويات والمواد التي يتمركز حولها المنهاج الحالي رغم تصريحه باعتماد مقاربة الكفايات سابقا.وما كثرة وتضخم المواد وثقل المحتويات وكثرة الكتب إلا مؤشر دال وكاف عن ذلك.
- كما تجدر الإشارة إلى مسألة التكوين التي خضع لها المدرسون لتمثل بيداغوجيا الادماج ، إذ سجل الكثير من المتتبعين والمعنيين بالتكوين عدم كفاية الزمن المخصص(حولي 5 أيام)،وكذلك ضعف الفعالية الديداكتيكة لدى بعض المكونين ، بالإضافة إلى فقر الوسائل الديداكتيكة المعتمدة لذلك . مما يتطلب تكوينا وتتبعا مستمرا للمدرسين للتمثل والتطبيق الجيد لمقاربة بيداغوجيا الإدماج ، وهذا هو الغائب الأكبر مع بداية التطبيق الرسمي لهذه المقاربة ؛ حيث يتخبط أغلب المدرسين في كيفية تطبيق المقاربة في إعداد وثائق التنظيم البيداغوجي للسنة ، وفي كيفية إجراء أسبوعي الإدماج، وفي كيفية البناء الديداكتيكي للتعلمات ،وفي كيفية ملء نقط المراقبة (هل ستكون شهرية أم مرحلية...؟)....
2- ظروف العمل داخل القسم: رغم دخول المغرب التربوي في السنة الثانية من تطبيق البرنامج الاستعجالي، ورصد الملايير من الدراهم (حوالي 50 مليار درهم ) الملاحظ أن ظروف العمل البيداغوجية والديداكتيكية لازالت كما كانت عليه من سلبيات:فقر التجهيزات الديداكتيكية الحديثة والضرورية،الاكتظاظ ، الأقسام المشتركة ، كثرة المواد وعدم كفاية الأغلفة الزمنية للمواد الأساسية...وهذه معطيات لا تساعد على الفعالية البيداغوجية ، وعلى تطبيق البيداغوجيات الحديثة المتمركزة على التعلم الذاتي والفارقية والتمكن والدعم والعلاج...، وعلى تطبيق أشكال العمل الديداكتيكي الفردي والجماعي،ناهيك عن معاناة المدرس/ة مع غياب وسائل العمل الديداكتيكي الضرورية والحديثة المساعدة على الرفع من المردودية والفعالية،وعلى اقتصاد الجهد والزمن.لازالت أغلب فصولنا تعتمد على الثنائي التقليدي سبورة/طبشورة،اللهم الاهتمام التمييزي والنسبي بمستويات»جيل النجاح» الأول والثاني ابتدائي،وكأن الباقي من مستويات هي»جيل الفشل»؟!
3- التجهيزات والخدمات المدرسية:رغم المجهودات المبذولة مؤخرا من أجل تحسين العرض التربوي ، إلا أن جل الخدمات والتجهيزات لمدارسنا لازالت تراوح مكانها كما ونوعا،خصوصا تلك التي تهم التفتح الذاتي للمتعلم ودعم قدراته ومهارته وتوجهاته المكونة لشخصية متكاملة ومتزنة في أبعادها النفسية والمعرفية والجسدية والاجتماعية والثقافية...:قلة المكتبات المدرسية ، شبه غياب للملاعب والتجهيزات الرياضية ، غياب قاعات للأنشطة الفنية والثقافية والترفيهية والأندية ، شبه غياب للرحلات والخرجات الثقافية والعلمية...ناهيك عن شبه غياب للمرافق والخدمات الصحية (صيدلية مدرسية ، مراحيض ، دوش...) ، وقلة الربط بشبكة الماء والكهرباء.إن شبه غياب تلك التجهيزات والخدمات المدرسية المشار إليها تؤثر سلبا على الفعالية الذاتية للمتعلم ، وعلى الدور التكميلي الذي يمكن أن تلعبه كذلك في الرفع من فعالية التعلمات،والمردودية المدرسية بشكل عام.
4-الظروف المهنية والاجتماعية للمدرسين:
الكل يعرف (إلا من يريد تجاهل ذلك) الدور المحوري الذي يلعبه المدرس/ة في إنجاح أي إصلاح ، وفي تحقيق الفعالية والمردودية المؤملة للنظام التعليمي. فمهما جوَدنا وغيرنا الهندسة البيبداغوجية ، من مقاربات بيداغوجية وغيرها ، فإن عمت وسط المدرسن أجواء عدم الرضى المهني والتوتر وعدم الاستقرار، وغياب الحماس والإيمان بالإصلاح والانخراط الإرادي والتلقائي فيه ، فإن اعتماد مقاربة بيداغوجيا الإدماج لن تحقق الأهداف المتوخاة منها ؛ ذلك فإن العملية التعليمة التعلمية يتدخل فيها النفسي والاجتماعي سواء بالنسبة للمتعلم او المدرس . لذلك وجب توفير الشروط المهنية والاجتماعية ، المادية والمعنوية، الايجابية (أجرة ، تحفيزات ،سكن ،نقل ،تقدير واحترام ، تكوين متين....) التي من شأنها أن تحفز المدرس/ة على العطاء والانخراط الإرادي في إنجاح الإصلاح.
وفي الأخير،نظن بأن جاح الإصلاح الجديد (المخطط الاستعجالي) ، والتطبيق الفعال لبيداغوجيا الإدماج ، رهين بتوفير عدة شروط مركبة ومتكاملة : بياغوجية مهنية ، تجهيزية ، خدماتية...ومحاولة تغيير و تكييف التطبيق الحالي لبيداغوجيا الإدماج مع خصوصيات المدرسة المغربية الحقيقية وليس المفترضة نظريا ، مع استحضارالملاحظات والنقد النظري والميداني لبعض الفاعلين المغاربة،أو تلك التي سجلها فاعلون ومتتبعون في الدول التي طبقت فيها مقاربة بيداغوجيا الإدماج ، وذلك قبل الإقدام النهائي على الصياغة و التطبيق الرسميين للمنهاج التربوي الجديد الذي يتمحور حول بيداغوجيا الإدماج.
محمد الصدوقي باحث تربوي
تذكيـــــــــــر:
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد)
0 التعليقات:
إرسال تعليق